سورة الأحزاب
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (يا أَيُّها النَبِيُّ اِتَّقِِ اللهَ وَلا
تُطِعِ الكافِرينَ وَالمُنافِقينَ) الآية.
قوله تعالى (مّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلبَينِ في جَوفِهِ) نزلت في جميل بن
معمر الفهري وكان رجلاً لبيباً حافظاً لما سمع فقالت قريش: ما حفظ هذه الأشياء إلا
وله قلبان وكان يقول: إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد عليه
الصلاة والسلام فلما كان يوم بدر وهزم المشركون وفيهم يومئذ جميل بن معمر تلقاه أبو
سفيان وهو معلق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله فقال له: يا أبا معمر ما حال الناس
قال: انهزموا قال: فما بالك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك قال: ما شعرت إلا
أنهما في رجلي وعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده. أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن نعيم الاشكابي قال أخبرنا الحسن بن أحمد بن محمد بن علي بن مخلد قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن سالم عن عبد الله يزعم أنه كان يقول: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيداً بن محمد حتى نزلت في القرآن (اُدعُوهُم لِآبائِهِم هُوَ أَقسَطُ عِندَ اللهِ) رواه البخاري عن معلى بن أسد عن عبد الرحمن بن المختار عن موسى بن عقبة.
قوله تعالى (يا أَيُّها النَبِيِّ قُل لِأَزواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ المُؤمِنينَ
يُدنينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابيبِهِنَّ) الآية. قوله تعالى (مِّنَ المُؤمِنينَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدوا اللهَ عَلَيهِ) أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الله بن خالد قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: أخبرنا عبد الله بن هاشم قال: أخبرنا بهز بن أسد قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: غاب عمي أنس بن النضر وبه سميت أنساً عن قتال بدر فشق عليه لما قدم وقال: غبت عن أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لئن أشهدني الله سبحانه قتالاً ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون وأعتذر إليك فيما صنع هؤلاء يعني المسلمين ثم مشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ فقال: أي سعد والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد فقاتلهم حتى قتل قال أنس: فوجدناه بين القتلى به بضع وثمانون جراحة من بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح ورمية بالسهم وقد مثلوا به وما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه ونزلت هذه الآية (مِّنَ المُؤمِنينَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدوا اللهَ) قال: وكنا نقول: أنزلت هذه الآية فيه وفي أصحابه. رواه مسلم عن محمد بن حاتم عن بهز بن أسد. أخبرنا سعد بن أحمد بن جعفر المؤذن قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال: أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الزيارجي قال: أخبرنا بندار قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثني أبي ثمامة عن أنس بن مالك قال: نزلت هذه الآية في أنس بن النضر (مِّنَ المُؤمِنينَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدوا اللهَ عَلَيهِ) رواه البخاري عن بندار.
قوله تعالى (فَمِنهُم مَّن قَضى نَحبَهُ) نزلت في طلحة بن عبيد الله ثبت مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى أصيبت يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اللهم أوجب لطلحة الجنة. أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: أخبرنا وكيع عن طلحة بن يحيى عن عيسى بن طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه طلحة فقال: هذا ممن قضى نحبه. قوله تعالى (إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ) الآية. أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان قال: أخبرني أحمد بن عمرو بن أبي عاصم قال: أخبرنا أبو الربيع الزهراني قال: أخبرني عمار بن محمد الثوري قال: أخبرنا سفيان عن أبي الحجاف عن عطية عن أبي سعيد (إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهيراً) قال: نزلت في خمسة في النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. أخبرنا أبو سعد النضوي قال: أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: أخبرنا ابن نمير قال: أخبرنا عبد الملك عن عطاء بن أبي رباح قال: حدثني من سمع أم سليم تذكر النبي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها فأتته فاطمة رضي الله عنها ببرمة فيها خزيرة فدخلت بها عليه فقال لها: ادعي لي زوجك وابنيك قالت: فجاء علي وحسن وحسين فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له وكان تحته كساء حبري قالت: وأنا في الحجرة أصلي فأنزل الله تعالى هذه الآية (إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُم الرِجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهيراً) قالت: فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ثم أخرج يديه فألوى بهما إلى السماء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قال: فأدخلت رأسي البيت وقلت: أنا معكم يا رسول الله قال: إنك إلى خير إنك إلى خير. أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج قال: أخبرنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الحسن بن علي بن عفان قال: أخبرنا أبو يحيى الحماني عن صالح بن موسى القرشي عن خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أنزلت هذه الآية في نساء النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُم الرِجسَ أَهلَ البَيتِ).
أخبرنا عقيل بن محمد الجرجاني فيما أجاز لي لفظاً قال: أخبرنا المعافى بن زكريا
القاضي قال: أخبرنا محمد بن جرير قال: أخبرنا ابن حميد قال: أخبرنا يحيى بن واضح
قال: أخبرنا الأصبغ عن علقمة عن عكرمة في قوله تعالى (إِنَّما يُريدُ اللهُ
لِيُذهِبَ عَنكُم الرِجسَ أَهلَ البَيتِ) قال: ليس الذين يذهبون إليه إنما هي أزواج
النبي عليه الصلاة والسلام قال: وكان عكرمة ينادي هذا في السوق.
وقال قتادة: لما ذكر الله تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم دخل نساء من
المسلمات عليهن فقلن: ذكرتن ولم نذكر ولو كان فينا خير لذكرنا فأنزل الله تعالى
(إِنَّ المُسلِمينَ وَالمُسلِماتِ). وقال قوم: لما نزلت آية التخيير أشفقن أن يطلقن فقلن: يا نبي الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ودعنا على حالنا فنزلت هذه الآية. أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن نعيم قال: محمد بن يعقوب الأخرم قال: أخبرنا محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا محاضر بن المودع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها كانت تقول لنساء النبي صلى الله عليه وسلم: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها فأنزل الله تعالى هذه الآية (تُرجي مَن تَشاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوي إِلَيكَ مَن تَشاءُ) فقالت عائشة أرى ربك يسارع لك في هواك رواه البخاري عن زكريا بن يحيى ورواه مسلم قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَدخُلوا بُيوتَ النَبِيِّ) الآية. قال أكثر المفسرون: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش أولم عليها بتمر وسويق وذبح شاة قال أنس: وبعثت إليه أمي أم سليم بحيس في تور من حجارة فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدعو أصحابه إلى الطعام فجعل القوم يجيئون فيأكلون فيخرجون ثم يجيء القوم فيأكلون فيخرجون فقلت: يا نبي الله قد دعوت حتى ما أجد أحداً أدعوه فقال: ارفعوا طعامكم فرفعوا وخرج القوم وبقي ثلاثة أنفار يتحدثون في البيت فأطالوا المكث فتأذى منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحياء فنزلت هذه الآية وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينه ستراً.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن أحمد الحيري قال:
أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع قال: أخبرنا عبد الأعلى بن حماد النرسي قال: أخبرنا
المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي مجلز عن أنس بن مالك قال: لما تزوج النبي صلى
الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون. قال: فأخذ كأنه
يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام وقام من القوم من قام وقعد ثلاثة وأن
النبي صلى الله عليه وسلم جاء فدخل فإذا القوم جلوس وأنهم قاموا وانطلقوا فجئت
واخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا قال: فجاء حتى دخل قال: وذهبت
أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه وأنزل الله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا
تَدخُلوا بُيوتَ النَبِيِّ إِلّا أَن يُؤذَنَ لَكُم إِلى طَعامٍ) الآية إلى قوله
(إِنَّ ذَلِكُم كانَ عِندَ اللهِ عَظيماً) رواه البخاري عن محمد بن عبد الله
الرقاشي ورواه مسلم عن يحيى بن حبيب الحارثي كلاهما عن المعتمر.
أخبرنا أحمد بن الحسين الحيري قال: أخبرنا حاجب بن أحمد قال: أخبرنا عبد الرحيم بن
منيب قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حميد عن أنس قال: قال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه قلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين
بالحجاب فأنزل الله تعالى آية الحجاب. رواه البخاري عن مسدد عن يحيى بن أبي زائدة
عن حميد. أخبرني أبو حكم الجرجاني فيما أجازني لفظاً قال: أخبرنا أبو الفرج القاضي
قال: أخبرنا محمد بن جرى قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: هشيم عن ليث عن مجاهد
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطعم معه بعض أصحابه فأصابت يد رجل منهم يد
عائشة وكانت معهم فكره النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت آية الحجاب. سمعت الأستاذ أبا عثمان الواعظ يقول: سمعت الإمام سهل بن محمد بن سليمان يقول هذا التشريف الذي شرف الله تعالى به نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلى النَبِيِّ) أبلغ وأتم من تشريف آدم بأمر الملائكة بالسجود له لأنه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة في ذلك التشريف وقد أخبر الله تعالى عن نفسه بالصلاة على النبي ثم عن الملائكة بالصلاة عليه فتشريف صدر عنه عنه أبلغ من تشريف تختص به الملائكة من غير جواز أن يكون الله معهم في ذلك والذي قاله سهل منتزع من قول المهدي ولعله رآه ونظر إليه فأخذه منه وشرحه وقابل ذلك بتشريف آدم وكان أبلغ وأتم منه وقد ذكر في الصحيح ما أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه قال: أخبرنا إبراهيم بن سفيان قال: أخبرنا مسلم قال: أخبرنا قتيبة وعلي بن حجر قالا: أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صلى علي واحدة قوله تعالى (هُوَ الَّذي يُصَلي عَلَيكُم وَمَلائِكَتُهُ) قال مجاهد: لما نزلت (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلى النَبِيِّ) الآية قال أبو بكر: ما أعطاك الله تعالى من خير إلا أشركنا فيه فنزلت (هُوَ الَّذي يُصَلّي عَليكُم وَمَلائِكَتُهُ). قوله تعالى (وَالَّذينَ يُؤذونَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ بِغَيرِ ما اِكتَسَبوا) قال عطاء: عن ابن عباس رأى عمر رضي الله عنه جارية من الأنصار متبرجة فضربها وكره ما رأى من زينتها فذهبت إلى أهلها تشكو عمر فخرجوا إليه فآذوه فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل: نزلت في علي بن أبي طالب وذلك أن أناساً من المنافقين كانوا يؤذونه
ويسمعونه. |